إذا كانت لديك فكرة مشروع مبتكرة وتؤمن بأنها قد تحقق نجاحًا كبيرًا، فمن الطبيعي أن تبدأ في التفكير بخطة لتنفيذها وتحديد موعد إطلاق المشروع، ولكن قبل أن تخطط للإطلاق أو تُحدد مدة التنفيذ، هناك خطوة أساسية لا يمكن تجاوزها وهي إعداد دراسة جدوى للمشروع.
دراسة الجدوى هي الخطوة الأولى لأي مشروع ناجح، لأنها تساعدك على الإجابة عن أسئلة حاسمة، مثل: هل يمكن تنفيذ المشروع فعلاً؟ هل الخدمة أو المنتج الذي ستقدمه سيحظى بإقبال السوق؟ وهل المشروع مربح ومجدي اقتصاديًا؟ كما أنها تتيح لك تقييم ظروف السوق وما إذا كانت مهيأة لنمو مشروعك.
كيفية اعداد دراسة جدوى
من خلال دراسة الجدوى، ستتمكن من فحص مشروعك بشكل شامل، لتحديد نقاط القوة والضعف، وتقييم مدى واقعية الأهداف التي وضعتها، كما ستساعدك أيضًا على الحصول على تصور كامل عن جوانب المشروع المختلفة، لتجنب المخاطر التي قد تواجهك أثناء التنفيذ.
في هذا المقال، سنستعرض خطوات إعداد دراسة الجدوى بخمس خطوات رئيسية، بالإضافة إلى أفضل الممارسات لضمان دقة وتنظيم الدراسة بما يضمن نجاح مشروعك.
أول خطوة هي دراسة السوق
تعد دراسة السوق هي الخطوة الأولى والأكثر أهمية، دراسة السوق تُمكِّنك من تحديد ما إذا كانت البيئة المحيطة بمشروعك مناسبة لتحقيق النجاح أم لا.
يجب أن تدرس العملاء المستهدفين لتعرف مدى رغبتهم وقدرتهم على شراء المنتج أو الخدمة التي تقدمها، كما يجب عليك تحليل المنافسين ودراسة نقاط قوتهم وضعفهم. علاوة على ذلك، يجب تقدير السوق المتوقع ومراقبة قدرة السوق على استيعاب منافسين جدد وتحديد ما إذا كان قابلاً للنمو في المستقبل.
من الطرق الفعالة للتأكد من وجود إقبال على المنتج هي إجراء اختبار تجريبي، مثل عرضه على مجموعة من الناس عبر الإنترنت أو بشكل مباشر، وتحاول إقناعهم بالشراء، هذه الطريقة تساعد في تقييم الفكرة ومدى الطلب قبل البدء في التنفيذ.
كما يجب أن تأخذ في اعتبارك الظروف السوقية التي قد تمثل عوامل ضغط على المشروع، مثل القيم المجتمعية، المتغيرات البيئية، اللوائح والقوانين، التصاريح المطلوبة، وكذلك معدلات الضرائب أو الرسوم. كل هذه العوامل تساعدك في إعداد تصور واقعي للمشروع.
الخطوة الثانية: الدراسة الفنية
تعد الدراسة الفنية من أهم الخطوات في إعداد دراسة جدوى المشروع، حيث تشكل الأساس الذي يقوم عليه نجاح المشروع، وفي هذه المرحلة، من الضروري تخصيص الوقت الكافي لدراسة جميع الموارد اللازمة لبدء المشروع، سواء كانت موارد بشرية أو مادية.
- أولاً، يجب تحديد عدد الموظفين المطلوبين مع تحديد المهارات اللازمة لكل وظيفة، ومن الضروري أيضًا وضع هيكل الأجور والتنظيم الإداري للمشروع وتوضيح المسميات الوظيفية المختلفة، بالإضافة إلى وصف طبيعة كل دور وظيفي.
- ثانيًا، يتم دراسة متطلبات الإنتاج، حيث يتم وصف عملية تصنيع المنتج أو تقديم الخدمة، مع تحديد نقاط القوة والضعف في العملية أو المنتج نفسه، بعد ذلك يتم تحديد الأصول المطلوبة للإنتاج، مثل الآلات والمعدات، وكذلك الموقع الذي سيقام فيه المشروع.
يجب أيضًا دراسة الموقع بشكل دقيق، حيث يعتبر الموقع من العوامل الحاسمة في نجاح المشروع، خاصة بالنسبة للمشروعات التي تستهدف مستهلكين من المناطق المحيطة مثل المطاعم أو المتاجر، ومن المهم مراعاة توفر الموارد الخام أو الأساسية التي يحتاجها المشروع لضمان استمراره، بالإضافة إلى ضمان تدفقها باستمرار وبأقل المشاكل الممكنة.
الخطوة الثالثة: الدراسة الاقتصادية
تعد الدراسة الاقتصادية خطوة هامة جدًا في إعداد دراسة جدوى المشروع، بل يمكن للبعض أن يتصورها بمثابة دراسة الجدوى الكاملة، ويُطلق على هذه الدراسة أحيانًا "الدراسة المالية"، وهي تهدف إلى وضع ميزانية شاملة للمشروع تشمل تقدير الأصول والخصوم أو الالتزامات، والإيرادات المتوقعة، والمبيعات والنفقات.
في هذه الدراسة، يتم تحديد مصادر التمويل اللازمة لشراء أو تأجير الأراضي والمباني والمعدات، كما تشمل أيضًا تحديد سعر المنتج أو الخدمة، وحساب نقطة التعادل التي تكون عندها الإيرادات مساوية للتكاليف، علاوة على ذلك، يتم حساب العائد على الاستثمار (ROI) لضمان أن المشروع سيحقق ربحًا مناسبًا وفقًا للتوقعات المالية.
الخطوة الرابعة: دراسة المخاطر
في إعداد دراسة جدوى المشروع، تُعد دراسة المخاطر من الخطوات الحاسمة التي يجب أن تأخذها في اعتبارك، وسأعطيك مثال على هذا الأمر، في عام 2012، أعلنت شركة كوداك الغنية عن التعريف إفلاسها، وذلك بعد أن كانت في صدارة إنتاج معدات التصوير لأكثر من 130 سنة.
رغم كونها أول شركة تصنع الكاميرات المحمولة، فشلت كوداك في إدارة المخاطر التي أحاطت بمستقبلها بسبب ظهور منافسين جدد مثل كانون وسوني، الذين سبقاها في تكنولوجيا التصوير الرقمي.
نتيجة لذلك، واجهت كوداك صعوبات كبيرة في مواكبة عصر التصوير الرقمي، مما أدى إلى تراجع الطلب على الأفلام التي كانت من أهم منتجات الشركة، وهذه القصة توضح أهمية دراسة المخاطر المتوقعة في أي مشروع.
تبدأ دراسة المخاطر بتحديد التهديدات المحتملة التي قد يتعرض لها المشروع وتقييم درجة خطورتها، مثل فشل النظام الإنتاجي أو فقدان العملاء، وبعد ذلك، يجب وضع خطة طوارئ تشمل حلولًا للتعامل مع هذه التهديدات.
على سبيل المثال، إذا كان المشروع هو صالون حلاقة رجالي، فقد يشكل انقطاع الكهرباء المستمر تهديدًا يؤثر على تجربة العملاء ويؤدي إلى تعطيل الخدمات المقدمة، خاصة عند استخدام أدوات كهربائية مثل ماكينات الحلاقة أو مجففات الشعر، لذا من الأفضل توفير مصدر طاقة بديل أو مولد كهرباء لضمان استمرار العمل وتقديم خدمة مميزة دون انقطاع.
الخطوة الخامسة: التوصيات واتخاذ القرار
الخطوة الأخيرة في إعداد دراسة جدوى المشروع هي التوصيات واتخاذ القرار النهائي، وفي هذه المرحلة، يتم تحليل البيانات التي تم جمعها في الخطوات السابقة للتأكد من أن الأهداف التي تم تحديدها هي أهداف واقعية وقابلة للتنفيذ.
حيث يتم مقارنة الإيرادات المتوقعة بالنفقات والمصروفات، مع الأخذ في الاعتبار المخاطر والتهديدات المحتملة ونسبة النجاح في مواجهة هذه المخاطر.
بناءً على هذا التحليل، يتم اتخاذ القرار النهائي بالاستمرار في المشروع أو التراجع عنه والبحث عن فكرة بديلة، وإذا ظهرت عوائق أو مخاوف في إحدى الخطوات السابقة، فهذا لا يعني بالضرورة صرف النظر عن الفكرة، بل قد يكون الأمر يتطلب إجراء بعض التعديلات في الميزانية، طريقة التنفيذ، أو إعادة ترتيب الأهداف.
في لحظة اتخاذ القرار، يجب أن تطرح سؤالين مهمين: الأول، هل النتائج المستهدفة من المشروع تستحق الوقت والجهد والمال المستثمر فيه؟ الثاني، هل المشروع يتماشى مع أهدافك الاستراتيجية وطموحاتك على المدى الطويل؟ بمعنى آخر، هل أنت مستعد للاستمرار فيه لخمس أو عشر سنوات قادمة؟
وأخيرًا، هناك ثلاث نقاط يجب أن تضعها في اعتبارك لضمان أن دراستك جدوى مشروعك تقدم نتائج مدروسة وليست عشوائية:
- استخدام الطرق الموثوقة في جمع البيانات مثل الاستبيانات والإحصائيات والأدوات الرقمية.
- الاستعانة برأي الخبراء والمستشارين في المشروع.
- استخدام أدوات أبحاث السوق المعتمدة لدراسة السوق.
إذا شعرت أن الموضوع صعب أو كنت بحاجة إلى مساعدة إضافية، يمكنك الاستعانة بمستشارين متخصصين من خلال مواقع مثل مستقل وخمسات، والتي تضم العديد من المتخصصين في إعداد دراسات الجدوى لمشاريع في مجالات متعددة.
